دخول خريطة الموقع عن الموقع راسلنا بيان الخصوصية  
بحث

خطبة الجمعة المذاعة والموزعة

 
خدمات الموقع
روابط هامة
DeptWhatsapp
دليل العمل بالمساجد
mythaq-almasjed.gif
khotba.gif 
manhag.gif
abhass.gif
abhass.gif
reaya.jpg
reaya.jpg
MosqeTemplete.gif
TorassyMosqe.gif
   
  Skip Navigation Links  
خطبة الجمعة المذاعة والموزعة
خطبة - إِجَازَةُ الصَّيْفِ: مَا لَـنَا وَمَا عَلَيْنَا - بتاريخ 14 / 6 / 2019م

طباعة الخطبة PDF اضغط هنا

طباعة الخطبة word اضغط هنا

خطبة الجمعة المذاعة والموزعة

بتاريخ 11 من شوال 1440هـ - الموافق 14 / 6 / 2019م

إِجَازَةُ الصَّيْفِ: مَا لَـنَا وَمَا عَلَيْنَا

إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( [آل عمران:102]، )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا( [النساء:1]، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا( [الأحزاب:70-71].

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَيُّهَا الـمُسْلِمُونَ:

لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ مَا يُلَاقِيهِ الْآبَاءُ وَالْأُمَّهَاتُ مِنْ كَثْرَةِ الْأَعْبَاءِ وَالْوَاجِبَاتِ، وَمَا يَلْحَقُ الْأَوْلَادَ مِنْ تَكَالِيفَ وَجُهْدٍ فِي سَنَةٍ دِرَاسِيَّةٍ امْتَلَأَتْ بِالْجِدِّ وَالْمُثَابَرَةِ، وَاتَّسَمَتْ بِالتَّعَبِ وَالْكَدِّ وَالْمُصَابَرَةِ، وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ أَسْبَابِ مَلَلِ النُّفُوسِ وَسَآمَتِهَا، وَمِنْ دَوَاعِي طَلَبِ التَّرْوِيحِ لَهَا لِإِعَادَةِ سُرُورِهَا وَبَهْجَتِهَا، وَمِنْ مَحَاسِنِ دِينِنَا الْعَظِيمِ أَنَّهُ رَاعَى جِبِلَّةَ الْإِنْسَانِ وَنَزْعَتَهُ إِلَى الرَّاحَةِ وَالِاسْتِجْمَامِ، فَأَبَاحَ لَهُ التَّرْوِيحَ عَنْ نَفْسِهِ لِيَتَخَلَّصَ مِنْ أَعْبَاءِ الْمَشَاقِّ وَالْأَعْمَالِ فِي سَائِرِ الْعَامِ؛ فَعَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! مَا تَقُولُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَـكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، فَنَسِينَا كَثِيرًا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَ اللهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا ذَاكَ؟» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ نَكُونُ عِنْدَكَ، تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرًا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي، وَفِي الذِّكْرِ؛ لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ]؛ يَعْنِي سَاعَةً لِلرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ، وَسَاعَةً مَعَ الْأَهْلِ وَالْأَوْلَادِ، وَسَاعَةً لِلنَّفْسِ.

وَعَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَـبِّهٍ – رَحِمَهُ اللهُ - قَالَ: (إِنَّ فِي حِكْمَةِ آلِ دَاوُدَ: حَقٌّ عَلَى الْعَاقِلِ أَنْ لَا يَغْفُلَ عَنْ أَرْبَعِ سَاعَاتٍ، سَاعَةٍ يُنَاجِي فِيهَا رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَسَاعَةٍ يُحَاسِبُ فِيهَا نَفْسَهُ، وَسَاعَةٍ يُفْضِي فِيهَا إِلَى إِخْوَانِهِ الَّذِينَ يُخْبِرُونَهُ بِعُيُوبِهِ، وَيَصْدُقُونَهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَسَاعَةٍ يُخَلِّي بَيْنَ نَفْسِهِ وَبَيْنَ لَذَّاتِهَا فِيمَا يَحِلُّ وَيَجْمُلُ؛ فَإِنَّ هَذِهِ السَّاعَةَ عَوْنٌ عَلَى هَذِهِ السَّاعَاتِ، وَإِجْمَامٌ لِلْقُلُوبِ، وَحَقٌّ عَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يَعْرِفَ زَمَانَهُ، وَيَحْفَظَ لِسَانَهُ، وَيُقْبِلَ عَلَى شَأْنِهِ، وَحَقٌّ عَلَى الْعَاقِلِ أَنْ لَا يَظْعَنَ إِلَّا فِي إِحْدَى ثَلَاثٍ: زَادٍ لِمَعَادِهِ، وَمَرَمَّةٍ لِمَعَاشِهِ، وَلَذَّةٍ فِي غَيْرِ مُحَرَّمٍ).

عِبَادَ اللهِ:

وَهَا نَحْنُ أُولَاءِ قَدْ دَخَلَتْ عَلَيْنَا إِجَازَةُ الصَّيْفِ بَعْدَ تِلْكَ الْوَاجِبَاتِ وَالْأَعْمَالِ، وَحَلَّتْ أَوْقَاتُ الْفَرَاغِ مِنْ أَكْثَرِ التَّكَالِيفِ الْوَظِيفِيَّةِ وَمِنْ كَثْرَةِ الْأَعْبَاءِ وَالْأَشْغَالِ، وَقَدْ طَلَبَتِ النُّفُوسُ الرَّاحَةَ وَالِاسْتِجْمَامَ، وَاشْتَاقَتْ إِلَى التَّرْوِيحِ وَالتَّغْيِيرِ فِي النِّظَامِ، فَحَرِيٌّ بِالْمُسْلِمِ أَنْ يُعْطِيَ نَفْسَهُ حَقَّهَا مِنَ الرَّاحَةِ، وَأَنْ يَغْتَنِمَ فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ أَوْقَاتَ الِاسْتِرَاحَةِ؛ فَإِنَّ الْفَرَاغَ نِعْمَةٌ وَأَيُّ نِعْمَةٍ!؛ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: »نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ« [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ]. كَمَا أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْوَقْتِ تَوْفِيقٌ وَرَحْمَةٌ، وَتَضْيِيعَهُ أَسَفٌ وَنِقْمَةٌ، وَالْمُوَفَّقُ – حَقًّا – مَنِ اغْتَنَمَ شَبَابَهُ وَصِحَّتَهُ، وَغِنَاهُ وَوَقْتَهُ، وَعَمِلَ لِآخِرَتِهِ وَتَذَكَّرَ مَوْتَهُ؛ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: »اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ» [أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ].

وَمِنْ بَرَكَةِ الْأَوْقَاتِ: اغْتِنَامُهَا بِالْعِبَادَاتِ، وَالتَّقَرُّبُ إِلَى اللهِ فِيهَا بِالْقُرُبَاتِ، وَالتَّرْوِيحُ عَنْهَا بِالْمُبَاحَاتِ، وَتَجَنُّبُ الْمَحْظُورَاتِ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: )فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ( [الشرح:7-8].

كَمَا يَنْبَغِي اسْتِغْلَالُ الْأَوْقَاتِ بِالْبَرَامِجِ الْمُفِيدَةِ، وَاسْتِثْمَارُهَا بِالْهِوَايَاتِ النَّافِعَةِ، الَّتِي تَزِيدُ فِي الْإِيمَانِ، وَتُقَوِّي الْأَبْدَانَ، وَتَشْحَذُ الْأَذْهَانَ، قَالَ أَحَدُ الْحُكَمَاءِ:(مَنْ أَمْضَى يَوْمَهُ فِي غَيْرِ حَقٍّ قَضَاهُ، أَوْ فَرْضٍ أَدَّاهُ، أَوْ مَجْدٍ أَثَّلَهُ، أَوْ حَمْدٍ حَصَّلَهُ، أَوْ خَيْرٍ أَسَّسَهُ، أَوْ عِلْمٍ اقْتَبَسَهُ؛ فَقَدْ عَقَّ يَوْمَهُ وَظَلَمَ نَفْسَهُ).

إِخْوَةَ الْإِيمَانِ:

وَمِنَ الْبَرَامِجِ الْمُفِيدَةِ النَّافِعَةِ فِي الْإِجَازَةِ الصَّيْفِيَّةِ الْمَاتِعَةِ: السَّفَرُ فِي الْأَرْضِ بِالسَّبِيلِ الْمُبَاحِ، وَالتَّرْفِيهِ الْبَرِيءِ الْمُتَاحِ؛ بَعِيدًا عَنِ الْأَمَاكِنِ الْمَشْبُوهَةِ، وَالْبِقَاعِ الْمَوْبُوءَةِ، فَمَا أَجْمَلَ السَّفَرَ لِلِاطِّلَاعِ عَلَى آيَاتِ اللهِ فِي الْأَرْضِ وَالْآفَاقِ، وَالِاعْتِبَارِ وَالنَّظَرِ فِي بَدِيعِ صُنْعِ الْوَاحِدِ الْخَلَّاقِ! )قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( [العنكبوت: 20]. وَقَالَ تَعَالَى: )قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ( [يونس:101]؛ أَيْ: تَفَكَّرُوا وَاعْتَبِرُوا بِمَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنَ الآيَاتِ وَالْعِبَـرِ، وَانْظُرُوا فِي عَجَائِبِ صُنْعِ اللهِ حَقَّ النَّظَرِ؛ لِيَدُلَّكُمْ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ وَكَمَالِ قُدْرَتِهِ.

وَمَا أَجْمَلَ السَّفَرَ إِذَا كَانَ لِصِلَةِ الْأَرْحَامِ، أَوْ لِأَدَاءِ الْعُمْرَةِ فِي بَيْتِ اللهِ الْحَرَامِ، أَوْ بِقَصْدِ الْكَسْبِ الْحَلَالِ، أَوْ لِطَلَبِ الْعِلْمِ وَالْأَدَبِ وَرَفْعِ الْمَلَالِ، مَعَ صُحْبَةٍ مُؤْمِنَةٍ تَقِيَّةٍ، وَرُفْقَةٍ صَالِحَةٍ مَرْضِيَّةٍ!؛ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ» [أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ]. وَالْمَرْءُ بِصَاحِبِهِ: إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ، وَلِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ:

تَغَرَّبْ عَنِ الأَوْطَانِ فِي طَلَبِ الْعُلَا              وَسَافِرْ فَفِي الأَسْفَارِ خَمْسُ فَوائِدِ

تَفَرُّجُ هَـــمٍّ  وَاكْـــتِسَابُ  مَعِيشَـــــةٍ              وَعِلْــمٌ  وَآدَابٌ  وَصُحْبَـــةُ  مَاجِــدِ

وَمِنَ الْبَرَامِجِ الْمُفِيدَةِ فِي الْإِجَازَةِ السَّعِيدَةِ: أَنْ يَشْغَلَ أَوْلَادُنَا – سَدَّدَهُمُ اللهُ وَوَفَّقَهُمْ لِخَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ – أَوْقَاتَهُمْ بِمَا يَنْفَعُهُمْ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ؛ كَالِالْتِحَاقِ بِحَلَقَاتِ تَحْفِيظِ الْقُرْآنِ فِي الْمَسَاجِدِ، وَبِالدَّوْرَاتِ الْعِلْمِيَّةِ وَالتَّرْفِيهِيَّةِ الْبَرِيئَةِ فِي الْمَرَاكِزِ وَالْأَنْدِيَةِ الصَّيْفِيَّةِ وَالْجَمْعِيَّاتِ الْخَيْرِيَّةِ وَالْأَهْلِيَّةِ، وَتَعَلُّمِ مَا يُنَمِّي قُدُرَاتِهِمُ الذِّهْنِيَّةَ وَالْجَسَدِيَّةَ؛ كَتَعَلُّمِ فُنُونِ الرِّمَايَةِ وَرُكُوبِ الْخَيْلِ وَالسِّبَاحَةِ، وَمُمَارَسَةِ فَنِّ الْخَطِّ وَالْكِتَابَةِ، وَتَعَلُّمِ مَهَارَةِ الْقِرَاءَةِ وَالْمُطَالَعَةِ، وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَنْشِطَةِ النَّافِعَةِ وَالْهِوَايَاتِ الْمَاتِعَةِ؛ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ وَجَابِرَ بْنَ عُمَيْرٍ الْأَنْصَارِيَّ يَرْتَمِيَانِ فَمَلَّ أَحَدُهُمَا فَجَلَسَ، فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ: كَسِلْتَ؟! سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: »كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ مِنْ ذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ لَهْوٌ أَوْ سَهْوٌ؛ إِلَّا أَرْبَعَ خِصَالٍ: مَشْيُ الرَّجُلِ بَيْنَ الْغَرَضَيْنِ-أَيِ: الرِّمَايَةُ-وَتَأْدِيبُهُ فَرَسَهُ، وَمُلَاعَبَةُ أَهْلِهِ، وَتَعَلُّمُ السِّبَاحَةِ« [أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ].

جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ أَهْلِ التَّقْوَى وَالصَّلَاحِ، وَيَسَّرَ لَنَا سُبُلَ السَّعَادَةِ وَالْفَلَاحِ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ الْأَلْبَابَ وَالْأَبْصَارَ، وَجَعَلَ فِي السَّفَرِ الْحِكَمَ وَالْعِظَةَ وَالِاعْتِبَارَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ عَالِمُ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، خَيْرُ الْوَرَى وَصَفْوَةُ عِبَادِهِ الْأَخْيَارِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الْأَطْهَارِ وَصَحْبِهِ الْأَبْرَارِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا مَا تَعَاقَبَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ.

أَمَّا بَعْدُ:    

فَاتَّقَوا اللهَ الَّذِي خَلَقَكُمْ، وَاسْتَعِينُوا عَلَى طَاعَتِهِ بِمَا رَزَقَكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ كَمَا أَمَرَكُمْ؛ يَزِدْكُمْ مِنْ فَضْلِهِ كَمَا وَعَدَكُمْ ، )لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ( [إبراهيم:7].

أَيُّهَا الـمُسْلِمُونَ:

إِذَا كَانَتِ الْإِجَازَةُ الصَّيْفِيَّةُ نِعْمَةً مِنْ نِعَمِ رَبِّ الْبَرِيَّةِ؛ فَإِنَّ عَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يُرَاعِيَ تِلْكَ النِّعْمَةَ بِدَوَامِ شُكْرِهَا، وَأَنْ يَحْذَرَ ارْتِكَابَ الْمُنْكَرَاتِ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى كُفْرِهَا؛ فَيَعْمَلَ الصَّالِحَاتِ وَيَحْرِصَ عَلَيْهَا، وَيَتْـرُكَ المَعَاصِيَ وَلَا يَسْعَى إِلَيْهَا، وَالْكَيِّسُ الْفَطِنُ يَغْتَنِمُ أَوْقَاتَ فَرَاغِهِ وَصِحَّتِهِ، بِمَا يَنْفَعُهُ فِي دُنْيَاهُ وَبَعْدَ مَوْتِهِ، وَيَعْلَمَ أَنَّهُ مَسْؤُولٌ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ أَحَفِظَ أَمْ ضَيَّعَ؟ فَعَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ؟، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ؟، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ؟، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ؟»
[أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ].

وَمِنْ فَضْلِ اللهِ تَعَالَى عَلَيْنَا: أَنَّ الْمُبَاحَاتِ الَّتِي لَا يُؤْجَرُ عَلَيْهَا تَتَحَوَّلُ بِالنِّـيَّةِ الصَّالِحَةِ إِلَى عَمَلٍ صَالِحٍ يُؤْجَرُ عَلَيْهِ؛ فَالْحَرَكَةُ وَالسُّكُونُ، وَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ، وَالنَّوْمُ وَالْيَقَظَةُ: أَعْمَالٌ يُثَابُ عَلَيْهَا الْمَرْءُ إِذَا أَصْلَحَ النِّـيَّةَ فِيهَا، وَنَوَى بِهَا التَّقَرُّبَ إِلَى اللهِ وَطَاعَةَ رَبِّهِ وَمَوْلَاهُ؛ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا تَذَاكَرَا الْقِيَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ مُعَاذٌ: (أَمَّا أَنَا فَأَنَامُ وَأَقُومُ، وَأَرْجُو فِي نَوْمَتِي مَا أَرْجُو فِي قَوْمَتِي). وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ يَنَامُ بِنِيَّةِ الْقُوَّةِ وَإِجْمَاعِ النَّفْسِ لِلْعِبَادَةِ وَتَنْشِيطِهَا لِلطَّاعَةِ، وَيَرْجُو فِي ذَلِكَ الْأَجْرَ كَمَا يَرْجُوهُ فِي قَوْمَتِهِ أَيْ: صَلَاتِهِ.

فَاغْتَنِمُوا – أَيُّهَا الْإِخْوَةُ – أَوْقَاتَكُمْ، وَاعْمَلُوا فِي حَيَاتِكُمْ لَهَا، وَلِمَا بَعْدَ مَمَاتِكُمْ؛ فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ، وَغَدًا حِسَابٌ وَلَا عَمَلَ. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: (السَّنَةُ شَجَرَةٌ، وَالشُّهُورُ فُرُوعُهَا، وَالْأَيَّامُ أَغْصَانُهَا، وَالسَّاعَاتُ أَوْرَاقُهَا، وَالْأَنْفَاسُ ثَمَرُهَا، فَمَنْ كَانَتْ أَنْفَاسُهُ فِي طَاعَةٍ فَثَمَرَةُ شَجَرَتِهِ طَيِّـبَـةٌ، وَمَنْ كَانَتْ فِي مَعْصِيَةٍ فَثَمَرَتُهُ حَنْظَلٌ).

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الأَرْبَعَةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ  سَائِرِ أَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْبَرَكَةَ فِي الأَوْقَاتِ، وَالزِّيَادَةَ مِنَ البَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ، وَالصَّلَاحَ فِي النِّـيَّـةِ وَالذُّرِّيَّةِ وَالزَّوْجَاتِ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَلِلْمُسْلِمِينَ؛ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْمَيِّتِينَ. اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُمَا فِي رِضَاكَ. اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً؛ دَارَ عَدْلٍ وَإِيمَانٍ وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْـدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَـمِينَ.                                                                      

   لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة

تاريخ الإضافة: 11/06/2019
المصدر: مكتب الشؤن الفنية
عدد القراء:
3623 الأرشيف طباعة Rss
القائمة الرئيسية
جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع قطاع المساجد - وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية - دولة الكويت @ 2006/2019