لطباعة الخطبة PDF اضغط هنا
خطبة الجمعة المذاعة والموزعة
بتاريخ 25 من المحرم 1440هـ - الموافق 5 / 10 / 2018م
السِّحْرُ وَخُطُورَتُهُ
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيرًا،)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( [آل عمران:102]، )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا( [النساء:1]، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا( [الأحزاب:70-71].
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كَلَامُ اللهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ مِنَ الآثَامِ الخَطِيرَةِ، وَالجَرَائِمِ الكَبِيرَةِ، ذَنْبًا يُفْسِدُ عَلَى العَبْدِ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ، أَلَا وَهُوَ: السِّحْرُ - عَافَانَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ - فَقَدْ جَاءَ فِي التَّهْدِيدِ عَلَى فِعْلِهِ، وَالوَعِيدِ عَلَى التَّعَامُلِ بِهِ، نُصُوصٌ كَثِيرَةٌ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالسِّحْرُ - عِبَادَ اللهِ - عُقَدٌ يَعْقِدُهَا السَّاحِرُ وَيَنْفُثُ فِيهَا، وَتَعَامُلٌ مَعَ الشَّيَاطِينِ وَتَقَرُّبٌ إِلَيْهِمْ؛ فَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ الضَّرَرُ الكَبِيرُ، فَمِنْهُ مَا يَقْتُلُ، وَمِنْهُ مَا يُمْرِضُ، وَمِنْهُ مَا يُفَرِّقُ بَيْنَ المَرْءِ وَزَوْجِهِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأَخْطَارِ وَالأَضْرَارِ الَّتِي لَا تَقَعُ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ابْتِلَاءً وَاخْتِبَارًا، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: )وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ( [البقرة:102].
وَلَا يَكُونُ الإِنْسَانُ سَاحِرًا تَخْدِمُهُ الشَّيَاطِينُ إِلَّا إِذَا كَفَرَ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَنَبَذَ القُرْآنَ الكَرِيمَ، وَخَالَفَ الشَّرْعَ الحَكِيمَ، وَتَقَرَّبَ لِلْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ، كَمَا قَالَ اللهُ جَلَّ وَعَلَا: )وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ( [البقرة:101-102]. ثُمَّ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ السِّحْرَ فِتْنَةٌ تَؤُولُ بِهِ إِلَى الكُفْرِ بِاللهِ جَلَّ وَعَلَا، فَقَالَ: )وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ( [البقرة:102]، وَالسِّحْرُ وَتَعَلُّمُهُ هُوَ طَرِيقٌ لِهَلَاكِ العَبْدِ وَخُسْرَانِهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ )وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ( [البقرة:101].
السَّاحِرُ -عِبَادَ اللهِ- لَا يُفْلِحُ أَبَدًا؛ قَالَ تَعَالَى: )وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ( [طه:69]، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ المُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: )قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ( [يونس:81]، فَكَمْ هَدَمَ السِّحْرُ مِنْ بُيُوتٍ عَامِرَةٍ! وَفَرَّقَ بَيْنَ الأَقْرِبَاءِ وَالأَزْوَاجِ! وَقَتَلَ وَأَمْرَضَ! فَهُوَ تَفْكِيكٌ لِلْمُجْتَمَعَاتِ الآمِنَةِ، وَخَلْخَلَةٌ لِلْإِيمَانِ، وَدَمَارٌ لِلْأَدْيَانِ، وَلَا يَأْتِي السِّحْرُ لِلنَّاسِ بِالْخَيْرِ أَبَدًا، بَلْ هُوَ أَضْرَارٌ خَطِيرَةٌ، وَشُرُورٌ مُسْتَطِيرَةٌ عَلَى الأَفْرَادِ وَالمُجْتَمَعَاتِ.
مَعَاشِرَ الْمُوَحِّدِينَ:
لَقَدْ حَذَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ السِّحْرِ وَالسَّحَرَةِ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ مِنَ الْعَظَائِمِ الْمُهْلِكَاتِ، وَقَرَنَهُ بِالشِّرْكِ بِاللَّهِ تَعَالَى، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ».
وَجَاءَ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّصُّ عَلَى البَرَاءَةِ مِنَ السَّاحِرِ وَمِمَّنْ يَطْلُبُ السِّحْرَ؛ فَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَطَيَّرَ أَوْ تُطِيِّرَ لَهُ، أَوْ تَكَهَّنَ أَوْ تُكُهِّنَ لَهُ، أَوْ سَحَرَ أَوْ سُحِرَ لَهُ، وَمَنْ عَقَدَ عُقْدَةً، وَمَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ» [رَوَاهُ البَزَّارُ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ].
وَإِذَا تَأَمَّلَ المُسْلِمُ هَذِهِ النُّصُوصَ، وَمَا جَاءَ فِي مَعْنَاهَا؛ أَدْرَكَ خُطُورَةَ السِّحْرِ وَالسَّحَرَةِ، وَبَعْضُ النَّاسِ قَدْ يَتَهَاوَنُ بِقِرَاءَةِ كُتُبِ السِّحْرِ أَوِ النَّظَرِ فِي بِرَامِجِ السَّحَرَةِ أَوْ مَوَاقِعِهِمْ، وَقَدْ يَجُرُّهُ ذَلِكَ إِلَى عَاقِبَةٍ وَخِيمَةٍ، فَالْوَاجِبُ عَلَى المُسْلِمِ أَنْ يَنْأَى عَنِ السِّحْرِ وَمَوَاقِعِهِ وَأَهْلِهِ.
وَلِخُطُورَةِ السِّحْرِ كَانَتْ عُقُوبَةُ السَّحَرَةِ فِي الإِسْلَامِ: قَتْلَهُمْ تَطْهِيرًا لِلْأَرْضِ مِنْ رِجْسِهِمْ وَوِقَايَةً لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ شَرِّهِمْ، فَقَدْ صَحَّ عَنْ جُنْدُبِ الخَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ» [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ]، وَعَنْ بَجَالَةَ بْنِ عَبَدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: «أَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ قَبْلَ مَوْتِهِ بسَنَةٍ: أَنِ اقْتُلُوا كُلَّ سَاحِرٍ وَسَاحِرَةٍ، فَقَتَلْنَا ثَلَاثَ سَوَاحِرَ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ]، وَعَنْ حَفْصَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّهَا أَمَرَتْ بِقَتْلِ جَارِيَةٍ لَهَا سَحَرَتْهَا فَقُتِلَتْ [رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ].
وَكُلُّ ذَلِكَ - عِبَادَ اللهِ - لِإِرَاحَةِ المُسْلِمِينَ مِنْ إِفْسَادِهِمْ، وَتَخْلِيصِ المُجْتَمَعِ مِنْ شَرِّهِمْ.
أَيُّهَا الْـمُسْلِمُونَ:
لِلسَّاحِرِ عَلَامَاتٌ يَنْبَغِي أَنْ نَعْلَمَهَا؛ لِنَحْذَرَ مِنْ كُلِّ مَنْ كَانَ مُتَّصِفاً بِهَا، فَمِنْ عَلَامَاتِ السَّاحِرِ: أَنَّهُ يَسْأَلُ مَنْ يَأْتِيهِ عَنِ اسْمِهِ وَاسْمِ أُمِّهِ، وَلَرُبَّمَا قَبْلَ أَنْ يُحَدِّثَهُ أَخْبَرَهُ بِاسْمِهِ وَاسْمِ أُمِّهِ، وَمِنْ أَيْنَ أَتَى؟ وَمَا المُشْكِلَةُ الَّتِي يُعَانِي مِنْهَا؟، وَمِنْ عَلَامَاتِهِ: أَنَّهُ يُتَمْتِمُ بِكَلِمَاتٍ لَا تُفْهَمُ، وَأَلْفَاظٍ مَجْهُولَةٍ، وَلَرُبَّمَا يَأْتِي بِطَلَاسِمَ وَعِبَارَاتٍ غَامِضَةٍ، أَوْ تَجِدُ فِيهَا دُعَاءً لِغَيْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَمِنْ عَلَامَاتِهِ: أَنَّهُ يَطْلُبُ مِمَّنْ يَأْتِيهِ أَنْ يَجْلِبَ لَهُ مَلَابِسَ خَاصَّةً أَوْ أَجْزَاءً مِنْ بَدَنِ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُلْحِقَ بِهِ الضَّرَرَ أَوْ غَيْرَهَا، وَمِنْ عَلَامَاتِهِ: أَنْ يُخْبِرَ بِأُمُورِ غَيْبِيَّةٍ، أَوْ مَكَانِ السِّحْرِ، أَوْ يَقُولَ: أَغْمِضْ عَيْنَيْكَ وَأَخْبِرْنِي مَا تَرَى، أَوْ أَنْ يَقُولَ: عِنْدِي قَرِينٌ مِنَ الْجِنِّ يُسَاعِدُنِي، وَلَا يُخْدَعُ المَرْءُ بِقِرَاءَتِهِ أَحْيَانًا لِلْقُرْآنِ أَوْ كِتَابَةِ القُرْآنِ؛ فَإِنَّهُ يَكْتُبُهَا بِالنَّجَاسَاتِ، وَيُضِيفُ إِلَيْهَا الشِّرْكِيَّاتِ: مِنَ الِاسْتِغَاثَةِ بِغَيْرِ اللهِ تَعَالَى، وَدُعَاءِ الْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ.
عِبَادَ اللهِ:
لَا يَحِلُّ أَبَدًا لِمُسْلِمٍ يُؤْمِنُ بِاللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَيُؤْمِنُ بِاليَوْمِ الآخِرِ: أَنْ يَأْتِيَ سَاحِرًا، وَلَوْ كَانَ مُرَادُهُ بِإِتْيَانِهِ أَنْ يَحُلَّ السِّحْرَ الَّذِي أَصَابَهُ، فَحَلُّ السِّحْرِ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ مُحَرَّمٌ شَرْعًا، لَا يَجُوزُ إِتْيَانُ السَّاحِرِ بِحَالٍ مِنَ الأَحْوَالِ، بَلْ إِنَّ مَنْ يَأْتِي السَّاحِرَ هُوَ فِي الحَقِيقَةِ بَائِعٌ لِدِينِهِ. فَهُوَ لَا يَقْبَلُ مِمَّنْ يَأْتِيهِ إِلَّا أَنْ يَتَقَرَّبَ إِلَى الشَّيَاطِينِ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الْقُرَبِ: يَطْلُبُ مِمَّنْ يَأْتِيهِ: أَنْ يَذْبَحَ ذَبِيحَةً أَوْ دَجَاجَةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَلَا يَذْكُرَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا، وَرُبَّمَا حَدَّدَ لَهُ مَكَانًا مُعَيَّنًا يَذْبَحُهَا فِيهِ، وَرُبَّمَا أَمَرَهُ أَنْ يُلَطِّخَ بِدَمِهَا مَوَاضِعَ مُعَيَّنَةً مِنْ بَيْتِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَكُلُّ ذَلِكَ
-عِبَادَ اللهِ- مِنَ الشِّرْكِ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمِنَ الأَعْمَالِ المُحَرَّمَةِ فِي شَرْعِ اللهِ تَعَالَى.
فَلَا تَضْعُفْ يَا عَبْدَاللهِ، وَقَوِّ قَلْبَكَ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ؛ فَالأُمُورُ كُلُّهَا لِلَّهِ، )وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ([الشعراء:80] فَلَا يَلِيقُ بِمُسْلِمٍ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ بِبَيْعِ دِينِهِ وَإِيمَانِهِ وَعَقِيدَتِهِ، فَلْنَتَّقِ اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَلْنُرَاقِبِ اللهَ جَلَّ وَعَلَا فِيمَا نَأْتِي وَنَذَرُ، وَلْنَعْلَمْ أَنَّ شَرِيعَتَنَا -شَرِيعَةَ الإِسْلَامِ - عِنْدَمَا حَرَّمَتِ السِّحْرَ حَرَّمَتْهُ لِمَا فِيهِ مِنَ الأَضْرَارِ الخَطِيرَةِ، وَالمَفَاسِدِ العَظِيمَةِ، وَفِي مُقَدِّمَتِهَا: انْهِدَامُ الدِّينِ، وَفَسَادُ الْعَقِيدَةِ.
نَسْأَلُ اللهَ جَلَّ وَعَلَا أَنْ يَحْفَظَ المُسْلِمِينَ بِحِفْظِهِ، وَأَنْ يُخَلِّصَهُمْ مِنْ شُرُورِ الأَشْرَارِ، وَكَيْدِ الْفُجَّارِ، إِنَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَمِيعُ الدُّعَاءِ، وَهُوَ أَهْلُ الرَّجَاءِ، وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
الخطبة الثانية
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي أَرْسَلَهُ رَبُّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ –عِبَادَ اللهِ- وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى؛ فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.
مَعَاشِرَ الْمُوَحِّدِينَ:
اعْلَمُوا أَنَّ مَا شَرَعَهُ اللهُ لِعِبَادِهِ فِيهِ الْغُنْيَةُ وَالْكِفَايَةُ، وَقَدْ أَعَاضَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى المُسْلِمِينَ عَنْ مِثْلِ تِلْكَ الأَبَاطِيلِ وَأَنْوَاعِ الأَضَالِيلِ، بِالإِقْبَالِ عَلَى اللهِ جَلَّ وَعَلَا بِالدُّعَاءِ، وَالإِلْحَاحِ بِالسُّؤَالِ وَالِالْتِجَاءِ، فَعَلَى مَنِ ابْتُلِيَ بِشَيْءٍ مِنَ الأَمْرَاضِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنَ السِّحْرِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ: أَنْ يَكُونَ إِقْبَالُهُ عَلَى اللهِ جَلَّ وَعَلَا دُعَاءً وَتَضَرُّعًا وَسُؤَالًا وَإِلْحَاحًا، وَاللَّهُ جَلَّ وَعَلَا يَقُولُ: )وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ([البقرة:186].
وَعَلَيْهِ -عِبَادَ اللهِ- أَنْ يَكُونَ ذَا عِنَايَةٍ بِتِلَاوَةِ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا سِيَّمَا سُورَةُ البَقَرَةِ، فَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ؛ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ» أَيِ السَّحَرَةُ [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ؛ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]. وَمِنَ الآيَاتِ العَظِيمَةِ النَّافِعَةِ لِلْعَبْدِ قِرَاءَةُ آيَةِ الكُرْسِيِّ؛ فَقَدْ جَاءَ فِي صَحِيحِ البُخَارِيِّ: أَنَّ مَنْ قَرَأَهَا إِذَا آوَى إِلَى فِرَاشِهِ لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ مِنَ اللهِ حَافِظٌ، وَلَا يَقْرَبُهُ شَيْطَانٌ حَتَّى يُصْبِحَ. وَكَذَلِكَ قِرَاءَةُ الآيَتَيْنِ الأَخِيرَتَيْنِ مِنْ سُورَةِ البَقَرَةِ؛ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْآيَتَانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مَنْ قَرَأَهُمَا فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ» أَيْ: كَفَتَاهُ مِنْ كُلِّ شَرٍّ وَسُوءٍ وَبَلَاءٍ. وَمِنَ الآيَاتِ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ يَعْتَنِيَ بِهَا الْعَبْدُ: قِرَاءَةُ الْمُعَوِّذَتَيْنِ؛ فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَوَّذُ مِنَ الجَانِّ، وَعَيْنِ الإِنْسَانِ حَتَّى نَزَلَتِ الْمُعَوِّذَتَانِ، فَلَمَّا نَزَلَتَا أَخَذَ بِهِمَا وَتَرَكَ مَا سِوَاهُمَا»، وَعَلَى العَبْدِ الْعِنَايَةُ بِالأَذْكَارِ النَّبَوِيَّةِ الصَّحِيحَةِ الثَّابِتَةِ: كَأَذْكَارِ الصَّبَاحِ وَالمَسَاءِ وَدُخُولِ البَيْتِ وَالخُرُوجِ مِنْهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ فَإِنَّهَا سَبَبٌ لِحِفْظِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ، وَحِصْنٌ لَهُ مِنْ تَسَلُّطِ الشَّيَاطِينِ وَأَهْلِ الشَّرِّ عَلَيْهِ.
وَمِنَ الأُمُورِ المُهِمَّةِ -عِبَادَ اللهِ-: المُحَافِظَةُ عَلَى الفَرَائِضِ وَلَا سِيَّمَا الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ مَعَ الجَمَاعَةِ؛ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ». أَيْ: فِي ضَمَانِهِ وَأَمَانِهِ، وَعَلَيْهِ اجْتِنَابُ المُنْكَرَاتِ، وَالبُعْدُ عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ، فَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ السَّلَامَةِ وَالحِفْظِ وَالْوِقَايَةِ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالأَئِمَّةِ المَهْدِيِّينَ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ وَتَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تُوَفِّقَنَا جَمِيعاً لِاغْتِنَامِ الأَوْقَاتِ بِالطَّاعَاتِ، وَأَنْ تَحْمِيَنَا مِنْ فِعْلِ الْـمُنْكَرِ وَالسَّيِّئَاتِ، اللَّهُمَّ اهْدِنَا صِرَاطَكَ الْـمُسْتَقِيمَ، وَجَنِّبْنَا صِرَاطَ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْـمُسْلِمَاتِ، الْـمُوَحِّدِينَ وَالْـمُوَحِّدَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ؛ إِنَّكَ قَرِيبٌ سَمِيعٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمَا لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى ، وَهَيِّئْ لَهُمَا بِطَانَةً صَالِحَةً تَدُلُّهُمَا عَلَى الْخَيْرِ وَتُعِينُهُمَا عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ القَانِطِينَ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ القَانِطِينَ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ القَانِطِينَ، اللَّهُــمَّ أَغِـثْ قُـــلُوبَنَا بِالإِيمَانِ وَالْيَقِينِ، وَبِلَادَنَا بِالأَمْطَارِ النَّافِعَةِ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً دَارَ عَدْلٍ وَإِيمَانٍ وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة