خطبة الجمعة المذاعة والموزعة
بتاريخ من 3 رجب 1438 هـ الموافق 31/3/2017م
مُعَامَلَةُ الخَدَمِ فِي الإِسْلَامِ
الحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ الآدَابَ الشَّرْعِيَّةَ عُنْوَانَ التَّوْفِيقِ، وَهَدَى مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ لِأَقْوَمِ طَرِيقٍ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً مَبْنِيَّةً عَلَى الإِخْلَاصِ وَالمَحَبَّةِ وَالتَّحْقِيقِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي أَخْرَجَ اللهُ بِهِ المُؤْمِنِينَ مِنَ الكُرُبَاتِ وَالظُّلُمَاتِ وَالضِّيقِ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ سَارَ مَعَهُمْ عَلَى الطَّرِيقِ، وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا كَثِيراً.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَاعْلَمُوا أَنَّ مَنِ اتَّقَى اللهَ كَفَاهُ، وَمَنْ خَافَهُ وَقَاهُ، قَالَ تَعَالَى : ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ([آل عمران:102].
أَيُّها المُسْلِمُونَ:
إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَا يَجْعَلُ المَرْءَ مُتَمَسِّكًا ومُعْتَزّاً بِهَذَا الدِّينِ مَا يَرَاهُ مِنْ حُسْنِ تَنْظِيمِ العَلَاقَةِ بَيْنَ المُسْلِمِ وَغَيْرِهِ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الغَيْرُ أَبًا أَوْ أَخًا أَوْ زَوْجَةً أَوْ وَلَدًا أَوْ خَادِمًا، فَهُوَ دِينٌ عَظِيمٌ قَدْ رَتَّبَ وَنَظَّمَ هَذِهِ العَلَاقَةَ قَبْلَ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةِ سَنَةٍ، وَهَذَا الاِعْتِزَازُ بِالدِّينِ يَزْدَادُ حِينَمَا نَرَى غَيْرَ المُسْلِمِينَ اليَوْمَ قَدِ انْتَهَوْا مِنْ حَيْثُ بَدَأْنَا، فَهَا هِيَ الدَّعَوَاتُ فِي الشَّرْقِ وَالغَرْبِ لِلْأَخْذِ بِتَعَالِيمِ الإِسْلَامِ آخِذَةٌ فِي الاِزْدِيَادِ ، كَالْأَخْذِ بِنِظَامِ الإِرْثِ الإِسْلَامِيِّ، وَالفَصْلِ بَيْنَ الجِنْسَيْنِ فِي المَدَارِسِ وَالجَامِعَاتِ، وَدَعَوَاتٍ لِذَبْحِ البَهَائِمِ وَنَحْرِهَا كَمَا فِي الشَّرِيعَةِ الإِسْلَامِيَّةِ، وَدَعَوَاتٍ لِتَنْظِيمِ الزَّوَاجِ وَالطَّلَاقِ حَسَبَ مَا جَاءَ بِهِ الإِسْلَامُ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الدَّعَوَاتِ الَّتِي لَا تَخْرُجُ عَنْ تَعَالِيمِ الإِسْلَامِ وَشَرَائِعِهِ، فَالحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللهُ.
عِبَادَ اللهِ:
حَدِيثُنَا اليَوْمَ عَنْ مَسْأَلَةٍ لَطَالَمَا غَفَلَ عَنْهَا الكَثِيرُونَ، وَهِيَ سُوءُ المُعَامَلَةِ الَّتِي يَجِدُهَا كَثِيرٌ مِنَ الخَدَمِ وَالعُمَّالِ مِنْ كَافِلِيهِمْ لَا سِيَّمَا وَأَنَّ الإِسْلَامَ لَمْ يُغْفِلْ هَذَا الجَانِبَ أَبَدًا ، بَلْ رَتَّبَهُ وَنَظَّمَهُ أَحْسَنَ تَرْتِيبٍ وَتَنْظِيمٍ، لَكِنَّ بُعْدَ النَّاسِ عَنِ التَّمَسُّكِ بِتَعَالِيمِ هَذَا الدِّينِ وَعَنِ العَمَلِ بِمَا جَاءَ فِيهِ مِنْ جَمِيعِ الجَوَانِبِ- هُوَ الَّذِي أَدَّى بِهِمْ إِلَى مَا نَرَاهُ اليَوْمَ مِنْ سُوءِ المُعَامَلَةِ بِصُوَرِهَا المُتَعَدِّدَةِ: مِنْ ظُلْمِ العُمَّالِ وَالخَدَمِ، وَجَحْدِ حُقُوقِهِمْ وَضَرْبِهِمْ ،وَالتَّعْنِيفِ عَلَيْهِمْ، وَتَحْمِيلِهِمْ مَا لَا يُطِيقُونَ.
أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ:
إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الأُمُورِ خَطَرًا عَلَى دِينِ المُسْلِمِ: أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الغَيْرِ مِنْ ظُلْمِ العِبَادِ بِالقَوْلِ أَوِ الفِعْلِ؛ قَالَ تَعَالَى ) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( [الشورى:42]،وَقَالَ r:« اتَّقُوا الظُّلْمَ؛ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ« [رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا] بَلْ بَيَّنَ أَنَّ لِلظُّلْمِ آثَاراً دُنْيَوِيَّةً أَيْضًا، فَقَالَ r: (اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ) [رَوَاهُ البُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِاللهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا] .
أَيُّها المُسْلِمُونَ:
لَقَدْ كَثُرَتْ وَلِلأَسَفِ فِي هَذَا العَصْرِ صُوَرٌ مِنْ ظُلْمِ الخَدَمِ وَالعُمَّالِ، مِنْهَا: الضَّرْبُ وَالاِعْتِدَاءُ عَلَيْهِمْ؛ يَقُولُ أَبُو مَسْعُودٍ البَدْرِيُّ - t -: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي بالسَّوْطِ، فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ خَلْفِي: (اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ!) فَلَمْ أَفْهَمِ الصَّوْتَ مِنَ الغَضَبِ، قَالَ: فَلَمَّا دَنَا مِنِّي إِذَا هُوَ رَسُولُ اللهِ r، فَإِذَا هُوَ يَقُولُ»: اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، قَالَ: فَأَلْقَيْتُ السَّوْطَ مِنْ يَدِي، فَقَالَ :اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ أَنَّ اللَّهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الْغُلَامِ، قَالَ: فَقُلْتُ: لَا أَضْرِبُ مَمْلُوكًا بَعْدَهُ أَبَداً». [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ مِنَ المُؤْلِمِ حَقًّا أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ لَا يُحْسِنُ تَصْحِيحَ خَطَأِ العَامِلِ وَالخَادِمِ إِلَّا بِالضَّرْبِ وَمَدِّ اليَدِ عَلَيْهِ وَإِهَانَتِهِ والحَطِّ مِنْ كَرَامَتِهِ، بَدَلًا مِنَ الرِّفْقِ بِهِ وَنُصْحِهِ لِتَصْوِيبِ خَطَئِهِ.
وَمِنْ صُوَرِ الظُّلْمِ أَيْضًا: تَعْنِيفُ الخَادِمِ إِذَا أَخْطَأَ، بَلْ لَعْنُهُ وَسَبُّهُ وَتَوْبِيخُهُ أَمَامَ المَلَأِ، وَعَدَمُ التَّجَاوُزِ عَنْ خَطَئِهِ؛ رَوَى البُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِاللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ r قَالَ:« مَنْ وَلِيَ مِنْكُمْ أَمْرًا يَضُرُّ فِيهِ أَحَداً أَوْ يَنْفَعُهُ، فَلْيَقْبَلْ مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَيَتَجَاوَزْ عَنْ مُسِيئِهِمْ« .
وَقَدْ كَانَ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ r مِنْ أَكْمَلِ النَّاسِ هَدْيًا فِي هَذَا البَابِ؛ يَقُولُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ t خَادِمُ رَسُولِ اللهِ r : «خَدَمْتُ النَّبِيَّ r عَشْرَ سِنِينَ فَمَا قَالَ لِي:« أُفٍّ» قَطُّ، وَمَا قَالَ لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ: لِمَ صَنَعْتَهُ؟، وَلَا لِشَيْءٍ تَرَكْتُهُ: لِمَ تَرَكْتَهُ؟» [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ].
وَمِنَ الظُّلْمِ أَيْضًا: بَخْسُ العَامِلِ أَجْرَهُ؛ إِمَّا بِمَنْعِهِ بِالكُلِّيَّةِ أَوْ بِتَأْخِيرِ رَاتِبِهِ دُونَ إِذْنِهِ، وَكُلُّ هَذَا لَا يَجُوزُ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: « ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ »، [رَوَاهُ البُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ t ]، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ :« أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ »[ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ] .
أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ:
وَمِنْ صُوَرِ الظُّلْمِ أَيْضًا: التَّكَبُّرُ وَالاِسْتِعْلَاءُ عَلَى هَؤُلَاءِ الفُقَرَاءِ، فَهَذَا يَتَكَبَّرُ عَلَيْهِمْ كَوْنُهُ غَنِيّاً وَهُمْ فُقَرَاءُ، وَهَذَا يَتَكَبَّرُ عَلَيْهِ كَوْنُهُ مَخْدُومًا وَهَذَا خَادِمٌ، وَذَاكَ يَتَكَبَّرُ عَلَيْهِ كَوْنُهُ عَرَبِيّاً وَهَذَا أَعْجَمِيٌّ وَهَكَذَا، فَنَقُولُ لِمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ: يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ) وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ([النحل:70] ، وَهَذَا تَفْضِيلٌ دُنْيَوِيٌّ، وَإِلَّا فَإِنَّ التَّفْضِيلَ الحَقِيقِيَّ عِنْدَ اللهِ هُوَ بِالإِيمَانِ وَالتَّقْوَى، قَالَ تَعَالَى): إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ( [الحجرات:13].
وَمِنْ صُوَرِ الظُّلْمِ أَيْضًا: عَدَمُ الرَّحْمَةِ بِهِمْ، وَهَذَا يُنَافِي مَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ المُسْلِمُ مِنَ الاِتِّصَافِ بِصِفَةِ الرَّحْمَةِ، قَالَ r : « الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ » [ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا]، وَتَتَجَلَّى الرَّحْمَةُ بِتَفَقُّدِ أَحْوَالِهِمْ، فَقَدْ يَكُونُ الخَادِمُ فَقِيرًا مَدِينًا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُنْسَى بِالصَّدَقَةِ المُسْتَحَبَّةِ وَالزَّكَاةِ الوَاجِبَةِ إِنْ كَانَ مِنَ المُسْتَحِقِّينَ لَهَا، وَقَدْ يَكُونُ مَرِيضًا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُغْفَلَ عَنْهُ بِبَذْلِ قِيمَةِ الدَّوَاءِ وَأُجْرَةِ العِلَاجِ، وَقَدْ يَكُونُ مَكْرُوبًا فَلَا يَنْبَغِي التَّخَلِّي عَنْهُ حَتَّى تَنْكَشِفَ كُرْبَتُهُ وَتُدْفَعَ بَلِيَّتُهُ.
وَمِنْ صُوَرِ الظُّلْمِ أَيْضًا: القَسْوَةُ عَلَيْهِمْ، فَبَعْضُ النَّاسِ - هَدَاهُمُ اللهُ - يَعْتَقِدُ أَنَّهُ بِالقَسْوَةِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُرَوِّضَ العَامِلَ، وَيُصَوِّرُ لِنَفْسِهِ أَنَّ اللِّينَ سَيُفْسِدُ عَلَيْهِ خَادِمَهُ، وَالْحَقُّ أَنَّ الرِّفْقَ مَا كَانَ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَمَا نُزِعَ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ..
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ المَلِكُ الحَقُّ المُبِينُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الصَّادِقُ الأَمِينُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ .
أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ –عِبَادَ اللهِ- ونَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، فَهِيَ نِعْمَ الزَّادُ الَّذِي تَدَّخِرُونَهُ عِنْدَ رَبِّكُمْ لِيَوْمِ المَعَادِ.
أَيُّها المُسْلِمُونَ:
قَدْ يَتَجَاهَلُ كَثِيرٌ مِنَ المُسْلِمِينَ أَنَّ هَؤُلَاءِ العُمَّالَ لَيْسَتْ حُقُوقُهُمْ فِي إِعْطَائِهِمْ رَاتِبَهُمْ فَقَطْ، بَلْ هُنَاكَ مَا هُوَ أَوْجَبُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَهُوَ دَعْوَتُهُمْ إِلَى الإِسْلَامِ إِنْ كَانُوا غَيْرَ مُسْلِمِينَ، وَتَعْلِيمُهُمْ أَمْرَ دِينِهِمْ إِنْ كَانُوا مُسْلِمِينَ؛ فَقَدْ يَغْلِبُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْهُمُ الجَهْلُ وَقِلَّةُ العِلْمِ وَتَسَلُّطُ الخُرَافَاتِ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الكَفِيلُ عَلَى قَدْرٍ مِنَ المَسْؤُولِيَّةِ، فَتَأْخُذَهُ الشَّفَقَةُ عَلَى هَؤُلَاءِ فَيُعَلِّمَهُمُ العَقِيدَةَ وَالتَّوْحِيدَ، وَيُعَلِّمَهُمُ الصَّلَاةَ وَيَحُثَّهُمْ عَلَيْهَا، وَأَنْ لَا يَتَثَاقَلَ كَوْنَ الخَادِمِ أَوِ العَامِلِ يَسْتَقْطِعُ وَقْتًا لِلذَّهَابِ لِلْمَسْجِدِ لِيُؤَدِّيَ الصَّلَاةَ وَيَتَعَلَّمَ مَا يَنْفَعُهُ مِنْ أَمْرِ دِينِهِ.
أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ:
وَمِنَ التَّنْبِيهَاتِ المُهِمَّةِ أَيْضًا؛ عَدَمُ الإِضْرَارِ بِالخَدَمِ؛ بِمُخَالَفَةِ الشُّرُوطِ الَّتِي تَمَّ التَّعَاقُدُ عَلَيْهَا عِنْدَ اسْتِقْدَامِ الخَادِمِ أَوِ الخَادِمَةِ، وَذَلِكَ يَكُونُ مِنْ خِلَالِ: إِرْهَاقِهِمْ بِكَثِيرٍ مِنَ الأَعْمَالِ المُخَالِفَةِ لِمَا اتُّفِقَ عَلَيْهِ، أَوْ بِتَكْلِيفِهِمْ مَا لَا يُطِيقُونَ، أَوِ العَمَلِ لِسَاعَاتٍ طَوِيلَةٍ دُونَ رَاحَةٍ، أَوْ إِلْزَامِهِمْ بِالعَمَلِ فِي شِدَّةِ الحَرِّ أَوِ البَرْدِ، قَالَ r: » إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ»[رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ الغِفَارِيِّ t ].. فَهَذَا الحَدِيثُ العَظِيمُ قَدْ أَصَّلَ العَلَاقَةَ بَيْنَ الخَادِمِ وَالمَخْدُومِ، فَحَثَّ عَلَى الشَّفَقَةِ بِالخَادِمِ وَمُعَامَلَتِهِ كَالأَخِ وَالصَّدِيقِ، وَلَيْسَ كَالخَادِمِ الفَقِيرِ وَالعَائِلِ المَحْرُومِ.
وَيَدْخُلُ فِي هَذَا إِعْطَاؤُهُ مِنْ طَيِّبِ الطَّعَامِ وَمَا يَلِيقُ بِهِ مِنَ الثِّيَابِ، وَتَطْبِيبُهُ عِنْدَ المَرَضِ، وَتَوْفِيرُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الحَاجَاتِ وَالمُسْتَلْزَمَاتِ، وَالصَّبْرُ عَلَيْهِ وَمُعَامَلَتُهُ بِالْحُسْنَى؛ جَاءَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَ التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ r فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ: كَمْ أَعْفُو عَنِ الخَادِمِ؟ فَصَمَتَ رَسُولُ اللهِ r ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ: كَمْ أَعْفُو عَنِ الخَادِمِ؟ فَقَالَ: «كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً.
إِخْوَةَ الإِسْلَامِ وَالإِيمَانِ:
الوَاجِبُ عَلَيْنَا جَمِيعاً أَنْ نُحْسِنَ إِلَى الْخَدَمِ ، وأَنْ نَرْفُقَ بِهِمْ ، وأَنْ نَتَّقِيَ اللهَ عَزَّ وجَلَّ فِيهِمْ ، وأَنْ نَصْبِرَ عَلَيْهِمْ ، وأَنْ نَدْعُوَهُمْ إِلَى الإِسْلَامِ إِنْ كَانُوا غَيْرَ مُسْلِمِينَ ، وَأَنْ نَدْعُوَ لَهُمْ بِالصَّلَاحِ والتَّقْوَى.
اللَّهُمَّ أَتْمِمْ لِهَذا البَلَدِ الأَمْنَ والأَمَانَ، واحْفَظْهُ مِنْ كُلِّ شَرٍّ وخُذْلَانٍ وسَائِرَ بِلَادِ المُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنا ما قَدَّمْنا وما أَخَّرْنا، وما أَسْرَرْنا وما أَعْلَنَّا وما أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا، اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ ورَسُولِكَ مُحَمَّدٍ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الخُلَفاءِ الرَّاشِدِينَ الأَئِمَّةِ المَهْدِيِّينَ: أَبِي بَكْرٍ وعُمَرَ وعُثْمَانَ وعَلِيٍّ وعَنْ سائِرِ الصَّحابَةِ أَجْمَعِينَ، والتَّابِعِينَ لَهُمْ وتَابِعِيهِمْ بِإِحْسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ وَالْـمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والـمُشْرِكِينَ، وانْصُرْ عِبَادَكَ المُوَحِّدِينَ، واصْرِفْ عَنَّا كُلَّ شَرٍّ وسُوءٍ في الدِّينِ و الدُّنْيَا يا رَبَّ العَالَمِينَ، اللَّهُمَّ احْفَظْ أَمِيرَ البِلَادِ وَوَلِـيَّ عَهْدِهِ، وَوَفِّقْهُمَا لِمَا تُحِبُّ وتَرْضَى، وأَصْلِحْ لَهُمَا البِطَانَةَ والرَّعِيَّةَ، واهْدِهِمَا لِلْحَقِّ والصَّوَابِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذا الْبَلَدَ آمِناً مُطْمَئِنًّا سَخاءً رَخاءً دَارَ عَدْلٍ وإِيمَانٍ، وأَمْنٍ وَأَمَانٍ، وسائِرَ بِلادِ الْـمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَنْجِ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ المُسْلِمِينَ في كُلِّ مَكَانٍ، وارْفَعْ عَنْهُمْ بَأْسَ الظَّالِمِينَ المُجْرِمِينَ، واحْقِنْ دِمَاءَهُمْ يا رَبَّ العَالَمِينَ، وآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة ودروس الإمام