خطبة الجمعة المذاعة والموزعة
بتاريخ 19 من شوال 1435هـ الموافق: 15 / 8 / 2014م
الإِيمَانُ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَمَرَ بِتَوْحِيدِهِ وَطَاعَتِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ فِي عِبَادَتِهِ، وَلاَ شَرِيكَ لَهُ فِي رُبُوبِيَّتِهِ، لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَالصِّفَاتُ الْعُلَى، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَاحِبُ الْوَجْهِ الأَنْوَرِ وَالْجَبِينِ الأَزْهَرِ، الَّذِي بَلَّغَ الرِّسَالَةَ وَأَدَّى الأَمَانَةَ وَنَصَحَ الأُمَّةَ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ- عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاعْبُدُوهُ حَقَّ الْعِبَادَةِ، قَالَ تَعَالَى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ( [آل عمران: 102]، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ( [الحشر:18].
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:
إِنَّ الإِيمَانَ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ: هُوَ الاِعْتِقَادُ الْجَازِمُ بِأَنَّ اللهَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكُهُ وَخَالِقُهُ، وَأَنَّهُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ وَحْدَهُ، وَأَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ مُتَّصِفٌ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ كُلِّهَا، وَالْمُنَزَّهُ عَنْ كُلِّ نَقْصٍ، وَأَنَّ اللهَ هُوَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، الْقَائِمُ بِشُؤُونِ خَلْقِهِ: مِنْ خَلْقٍ، وَرَزْقٍ، وَإِحْيَاءٍ، وَإِمَاتَةٍ؛ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: )قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ( [الإخلاص:1-4].
عِبَادَ اللهِ:
وَمَوْقِفُ الْمُسْلِمِ: هُوَ تَنْزِيهُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنِ الشِّرْكِ الأَكْبَرِ وَالأَصْغَرِ.
فَالشِّرْكُ الأَكْبَرُ: أَنْ يَجْعَلَ الْعَبْدُ لِلَّهِ نِدّاً وَيَعْبُدَهُ، حَجَراً كَانَ أَوْ شَجَراً، أَوْ ضَرِيحاً أَوْ غَيْرَهُ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ: )إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء ( [النساء:48].
وَالشِّرْكُ الأَصْغَرُ: أَنْ يَبْتَغِيَ الْعَبْدُ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الآخِرَةِ؛ فَعَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ t أَنَّ رَسُولَ اللهِ r قَالَ: «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ. قَالُوا: وَمَا الشِّرْكُ الأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: الرِّيَاءُ، يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا جُزِيَ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمُ: اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا، فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً ؟!» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ].
إِخْوَةَ الإِسْلاَمِ وَالإِيمَانِ:
الإِيمَانُ قَوْلٌ بِاللِّسَانِ، وَاعْتِقَادٌ بِالْقَلْبِ وَالْجَنَانِ، وَعَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ وَالأَرْكَانِ، يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ وَيَنْقُصُ بِالْمَعْصِيَةِ، فَأَحَدُ أَرْكَانِ الإِيمَانِ بِاللهِ السِّتَّةِ الَّتِي لاَ يَصِحُّ إِيمَانُ الْعَبْدِ إِلاَّ بِهَا: هُوَ النُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَالإِقْرَارُ بِلَوَازِمِهَا، قَالَ تَعَالَى: )فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ( [محمد:19]، وَأَمَّا اعْتِقَادُ الْقَلْبِ فَبِالنِّيَّةِ وَالإِخْلاَصِ، وَالْمَحَبَّةِ وَالاِنْقِيَادِ، وَالإِقْبَالِ عَلَى اللهِ وَحُسْنِ التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ؛ قَالَ تَعَالَى: )وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ ( [البقرة: 165].
وَأَمَّا عَمَلُ الْجَوَارِحِ فَهُوَ عَمَلُ الصَّالِحَاتِ الْقَوْلِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ، الْوَاجِبَةِ وَالْمَسْنُونَةِ، مِمَّا يَنْدَرِجُ تَحْتَ شُعَبِ الإِيمَانِ، قَالَ r: «الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ، أَوْ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ t].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
لَقَدْ خَلَقَنَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِعِبَادَتِهِ ) وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ( [الذاريات:56]، وَمَا أَرْسَلَ اللهُ الرُّسُلَ -عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ- إِلاَّ لِلإِيمَانِ بِاللهِ حَقَّ الإِيمَانِ، قَالَ سُبْحَانَهُ: )وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ( [الأنبياء:25].
وَلاَ يَتَقَبَّلُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الْعَمَلَ إِلاَّ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ، قَالَ تَعَالَى: )إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ( [المائدة:27]، قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: أَيِ الْمُوَحِّدِينَ. وَمُعْجِزَةُ مُحَمَّدٍ r هِيَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ، فَلاَ تَخْلُو صَفْحَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ إِلاَّ وَفِيهَا التَّوْحِيدُ الْخَالِصُ للهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَوِ الدَّعْوَةُ إِلَيْهِ أَوِ الإِشَارَةُ إِلَيْهِ، قَالَ تَعَالَى: )إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا( [الحجرات:15].
يَارَعَاكُمُ اللهُ: الإِنْسَانُ إِذَا عَبَدَ اللهَ وَحْدَهُ وَافَقَ ذَلِكَ الْفِطْرَةَ السَّلِيمَةَ، قَالَ r: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ» [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ t]، فَالطَّبِيعَةُ السَّوِيَّةُ: هِيَ تَحَرُّرُ الإِنْسَانِ مِنْ عُبُودِيَّةِ كُلِّ مَا سِوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ... تَحَرُّرٌ مِنْ عُبُودِيَّةِ الأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ، وَتَحَرُّرٌ مِنْ عُبُودِيَّةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَتَحَرُّرٌ مِنْ عُبُودِيَّةِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ الَّتِي لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ، وَتَحَرُّرٌ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ وَذُلٍّ فَرَضَهُ عَلَى نَفْسِهِ: )وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى( [الزمر:3] أَوْ تَقْلِيدٍ لِبِيئَةٍ غَيْرِ مُسْلِمَةٍ نَشَأَ فِيهَا، يُقَلِّدُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً: )إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ ( [الزخرف:22]، فَحَادَ عَنِ الْحَقِّ وَعِبَادَةِ الإِلَهِ الْوَاحِدِ.
أَيُّهَا الأَحِبَّةُ الْكِرَامُ:
مَنْ آمَنَ بِاللهِ اسْتَقَامَ وَسَارَ عَلَى الدَّرْبِ الصَّحِيحِ )إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ( [الأحقاف: 13]، وَإِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ، يَحْمِيهِ اللهُ وَيَحْرُسُهُ، وَيَرْزُقُهُ وَيَغْفِرُ لَهُ، وَيَحْفَظُهُ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ وَسُوءٍ )فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ( [يوسف: 64]، قَالَ r: «إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إليَّ بِالنَوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ...» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ t]، وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ t قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ: قُلْ لِي فِي الإِسْلاَمِ قَوْلاً لاَ أَسْأَلُ عَنْهُ غَيْرَكَ، قَالَ: «قُلْ آمَنْتُ بِاللهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ].
أَيْ قَامَ بِأَدَاءِ الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ، وَتَرَكَ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَنْهِيَّاتِ، وَعَبْدَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ طَمَعاً فِي جَنَّتِهِ وَخَوْفاً مِنْ نَارِهِ، وَحُبّاً فِي ذَاتِهِ، وَذَاقَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ؛ فَفِي الْحَدِيثِ «ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبّاً, وَبِالإِسْلاَمِ دِيناً, وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ t]، وَإِذَا أَخْطَأَ فِي جَنْبِ اللهِ تَابَ وَأَنَابَ، وَدَعَا اللهَ الثَّبَاتَ عَلَى هَذَا الدِّينِ، وَهَذِهِ صِفَةُ عِبَادِ الرَّحْمَنِ )وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ( [الفرقان:68]، قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ t: «مَالِي لاَ أَرَى حَلاَوَةَ الإِيمَانِ تَظْهَرُ عَلَيْكُمْ؟! وَاللهِ لَوْ أَنَّ دُبَّ الْغَابَةِ وَجَدَ طَعْمَ الإِيمَانِ لَظَهَرَ عَلَيْهِ حَلاَوَتُهُ، مَا خَافَ عَبْدٌ عَلَى إِيمَانِهِ إِلاَّ مُنِحَهُ، وَمَا أَمِنَ عَبْدٌ عَلَى إِيمَانِهِ إِلاَّ سُلِبَهُ» [أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ].
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنَا وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ مِنَ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمِ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الصَّحَابَةِ الْكِرَامِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا( [الأحزاب:70-71].
أَمَّا بَعْدُ:
فَالإِيمَانُ بِاللهِ حَقّاً -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ- يَظْهَرُ أَثَرُهُ عَلَى الْعَبْدِ، فَيَعْدِلُ فِي قَوْلِهِ، وَيَفِي بِعَهْدِهِ، وَيَنْطِقُ بِالْحَقِّ، وَيَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، وَلاَ يَقُولُ إِلاَّ خَيْراً «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ: فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ t]، وَقَالَ تَعَالَى: )وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ( [التوبة:71].
وَمِنْ آثَارِ الإِيمَانِ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْمُسْلِمِ: أَنَّهُ يَنْظُرُ وَيَتَفَكَّرُ فِي بَدَائِعِ صُنْعِ اللهِ سُبْحَانَهُ )إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ ( [آل عمران:190]، وَمِنْ آثَارِ الإِيمَانِ بِاللهِ: مُلاَزَمَةُ ذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ فَلاَ يَفْتُرُ عَنِ التَّهْلِيلِ وَالتَّسْبِيحِ وَالاِسْتِغْفَارِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهَا؛ )الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ( [آل عمران:191]، وَمِنْ آثَارِ الإِيمَانِ بِاللهِ: إِفْرَادُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحْدَهُ بِالْعِبَادَةِ كَالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ وَالذَّبْحِ وَالنَّذْرِ وَالدُّعَاءِ وَالسُّؤَالِ، قَالَ تَعَالَى: )قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ( [الأنعام:162- 163].
إِخْوَةَ الإِسْلاَمِ وَالإِيمَانِ:
وَمِنْ آثَارِ الإِيمَانِ بِاللهِ: أَنَّهُ يَحْفَظُ الْعَبْدَ إِخْلاَصاً وَتَوَكُّلاً وَاسْتِعَانَةً بِاللهِ، وَيَجْعَلُهُ مُطْمَئِنّاً بِقَدَرِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ r يَوْمًا فَقَالَ: «يَا غُلاَمُ: إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ, احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ, إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ, وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ, وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ, وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ, رُفِعَتِ الْأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ» [أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ]، وَمِنْ آثَارِ الإِيمَانِ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَثَمَرَاتِهِ: تَعْظِيمُهُ سُبْحَانَهُ وَالْحَيَاءُ مِنْهُ، قَالَ تَعَالَى: )وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ([الزمر:67]، قَالَ الشَّيْخُ السَّعْدِيُّ-رَحِمَهُ اللهُ-: مَا عَظَّمُوهُ حَقَّ تَعْظِيمِهِ، وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: «اسْتَحْيُوا مِنَ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ. قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ للهِ، قَالَ: لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الاِسْتِحْيَاءَ مِنَ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ: أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْتَذْكُرِ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ» [أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ].
وَمِنْ آثَارِ الإِيمَانِ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ: مَخَافَةُ اللهِ وَالْخَشْيَةُ مِنْهُ، قَالَ تَعَالَى: )وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ( [الرحمن:46]، وَمِنَ السَّبْعَةِ الَّذِينَ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ: «وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ t].
عِبَادَ اللهِ:
هَذِهِ بَعْضُ الآثَارِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الإِيمَانِ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَبِهَا يَتَفَاضَلُ النَّاسُ، وَتَعْظُمُ دَرَجَاتُهُمْ وَمَرَاتِبُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ، فَكُلَّمَا زَادَ عِلْمُ الْعَبْدِ زَادَ إِيمَانُهُ، وَكُلَّمَا زَادَ الْفِقْهُ فِي الدِّينِ زَادَ الْيَقِينُ وَرَسَخَ الإِيمَانُ، نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَنَا مِمَّنْ يُحَقِّقُونَ التَّوْحِيدَ وَالإِيمَانَ، وَمِنَ السُّعَدَاءِ فِي الدَّارَيْنِ.
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ عَلَى الرَّحْمَةُ الْمُهْدَاةِ، وَالنِّعْمَةِ الْمُسْدَاةِ، نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا وَقُدْوَتِنَا مُحَمَّدٍ ابْنِ عَبْدِ اللهِ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: )إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ( [الأحزاب:56].
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ بِأَسْمَائِكَ الْحُسْنَى وَصِفَاتِكَ الْعُلَى أَنْ تَجْعَلَ إِيمَانَنَا بِكَ كَامِلاً، وَيَقِينَنَا بِكَ رَاسِخاً، وَلاَ تَجْعَلْ لِلشُّبُهَاتِ وَالشَّهَوَاتِ إِلَيْنَا سَبِيلاً، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتِنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، عَاجِلَهُ وَآجِلَهُ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ، عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مَنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ، اللَّهُمَّ يَا مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ، اللَّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ، اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَ الْبِلاَدِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمَا لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَانْفَعْ بِهِمَا الْبِلاَدَ وَالْعِبَادَ، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً مُطْمَئِنّاً سَخَاءً رَخَاءً، دَارَ عَدْلٍ وَإِيمَانٍ وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة ودروس الإمام